Al-Mawadda

Al-Mawadda

يسوع المسيح من هو بالنسبة إليّ؟

يسوع المسيح
من هو بالنسبة إليّ؟

الأب عادل تيودور خوري

مقدّمة

إنّ ما تعلّمته عن يسوع المسيح، ولا يزال عالقًا ببالي وفي أعماق قلبي، بدأتُ أتلقّنه في أسرتي وفي معاهد جمعيّة الآباء البولسيّين بحريصا. وأنا لا أزال أركّز حياتي وتطلّعاتي وجهودي على ضوء ما اكتسبتُه في سني التثقيف اللاهوتيّ والروحيّ آنذاك.

وها أنا، وقد جاوز عمري الثمانين، لا أزال أبني على تلك الأسس التي فتحت أمام عينَي قلبي وعقلي مساحات الفهم والرضى لأتأمّل وأحاول أن أعيش ما انكشف لي ودفعني إلى أن أتبع المسيح، وأنطلق معه في عمل الرسالة على اختلاف أنواعها.

ولم يفارقني منذ ذلك الوقت ما تعلّمته وحاولتُ أن أتعمّق في فهمه وممارسته. وكان دليلي في ذلك الأناجيل، ومنها خصوصًا إنجيل يوحنّا – وهو كما هو معروف أهمّ أساس ومرجع للاّهوت الشرقيّ – ثمّ رسائل القدّيس يوحنّا، وبنوع أخصّ رسائل القدّيس بولس الرسول شفيع جمعيّتنا. وأذكر أنّي حاولتُ بإلحاح أن أتعلّم عن ظهر الغيب نصّ رسائله كلّها، لتكون دومًا حاضرة في ذهني وقلبي، فأستقي منها ما أحتاج إليه في ظروف الحياة ومجالات الخدمة الرسوليّة.

هكذا عَلِقت نفسي بيسوع المسيح، وألحّ عقلي في البحث عن فهم مقاصده بالنسبة إليّ شخصيًّا وبالنسبة إلى البشر أجمعين. وانشغف قلبي بحبّه. وكان أن اختبرتُ في كلّ مرحلة من مراحل حياتي كيف رافقني وأغدق عليّ من فضله ومحبّته نِعَمًا لا تُحصى.

فهو الذي فتح مغاليق عقلي وفكري ودرّجني في معارج الفهم حتّى برقت لي من بعيد ومضات معرفته.

وهو الذي تلقّفني في كلّ مرحلة من مراحل حياتي، وقادني في مسالك مقاصده، وأنا لا أعي منها إلاّ ذرّة بعد ذرّة.

وهو الذي كان إلى جانبي عندما حنيتُ رأسي وألقيتُه على حافّة زاوية حجر الهيكل، يوم وضع المرحوم المطران فيلبّس نبعة يده على رأسي ليرسمني كاهنًا في ذلك المعهد الصغير في حريصا، والحاضرون يجيبون على كلّ سؤال: نعم، هو مستحقّ! وأنا في قلبي وعقلي أردّد: لا، يا ربّ، أنا لستُ مستحقًّا، ولستُ أهلاً. ولكن أنت جئتَ بي إلى هنا وأوصلتني إلى هذه المرحلة، وقلتَ لي: إنّي أنا أخترتك. فسكنت جوارحي كلّها، وأسلمتُ نفسي إلى مشيئته وهدايته.

من هو يسوع المسيح بالنسبة إليّ؟

1. “به كان كلّ شيء” (يوحنّا 1: 3)

علّمني مطلع إنجيل يوحنّا أنّ يسوع المسيح مركز دائرة الحياة كلّها وأساس آمال البشر جميعًا. علّمني أنّي أدينُ له بكياني وبحياتي كلّها بجميع مجالات نشاطها، وأنّه هو الذي يُفيض عليّ من محبّته الحياة، تلك الحياة التي هي نور الناس، ذلك النور الذي يضيء في الظلمة ويهدي إلى طريق الحياة والخلاص.

وردت في إنجيل يوحنّا الآيات التالية:

(1) في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. (2) إنّه في البدء كان مع الله. (3) وإنّه به كان كلّ شيء وبغيره لم يكن شيء ممّا كان. (4) فيه كانت الحياة. والحياة كانت نور الناس. (5) والنور يضيء في الظلمة… (14) والكلمة صار بشرًا، وسكن بيننا مملوءًا نعمة وحقًّا.

(16) أجل، من ملئه كلُّنا أخذنا، ونعمةً على نعمة… (17) إنّ النعمة والحقّ قد جاءا على يد يسوع المسيح.

(18) ألله لم يره أحدٌ قطّ. فالإله، الابن الوحيد، الذي هو في حِضن الآب، هو الذي كشف عنه.

2. يسوع “هو الذي كشف عنه” (يوحنّا 1: 18)

علّمني يسوع المسيح وكشف لنا عن محبّة الآب للبشر:

– لقد أحبّ الله العالم حتّى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة” (يوحنّا 3: 16).

-علّمني يسوع وكشف لنا عن تنازل الآب لفرط محبّته فيتّخذ مُقامًا له عندنا: “أجاب يسوع وقال له (للرسول يهوذا): إذا أحبّني أحد يحفظ كلمتي فيحبّه أبي، وإليه نأتي وعنده نجعلُ مُقامنا” (يوحنّا 14: 23).

– وأكّد لنا يسوع “أنّ الآب هو أيضًا يحبّكم لأنّكم أحببتموني وآمنتم بأنّي من الله خرجتُ” (يوحنّا 16: 27).

– وأكّد لنا يسوع أيضًا: “الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّكم إن سألتم الآب باسمي شيئًا يعطيكموه… فاسألوا تُعطَوا، فيكون فرحكم كاملاً” (يوحنّا 16: 23-24).

وقد اختصر الرسول يوحنّا في رسالته الأولى كلامه عن الله وعن مقاصده وعمله بقوله: “الله محبّة” (1 يوحنّا 4: 8 و16).

من هنا انطلقَت في حياتي مرحلةٌ أظنّ أنّ الكثيرين قد اختبروها، مرحلةٌ بعيدة الغور. فإنّ يسوع المسيح كشف لنا سرّ المعرفة الإلهيّة، وفتح لنا باب معرفة الله ورغبةِ التوق إلى قربه، واندفاع الشوق إلى الغوص في أغوار طلائع ذات الله، في رحلة أبديّة لا نهاية لها.

وَوَعَيتُ أنّ كلّ هذا عملٌ من أعمال محبّته لنا نحن البشر، وأيقنتُ أنّه أحبّني أنا أيضًا مِلءَ المحبّة، ووزّع عليّ وعلينا جميعًا من غنى رحمته وعطفه.

3. يسوع أحبّني حتّى إنّه بذل نفسه لأجلي

– أكّد لي أنّه “ليس لأحد حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه عن أحبّائه. أنتم أحبّائي إذا عملتم بما أوصيتكم به” (يوحنّا 15: 13-14).

وألحّ علينا جميعًا: “اثبتوا في محبّتي” (يوحنّا 15: 9)

وتلقّف الرسول بولس مثل هذه الوصيّة، وأكّد لنا أنّه علينا أن نكون مبشّرين بالمحبّة وعاملين بالمحبّة. وأودّ أن أسرد هنا بالحرف الواحد إحدى جُمَله التي كان لها تأثير كبير في عقلي وفكري، وقلبي ومشاعري. كتب في رسالته إلى أهل رومة:

“لا يكن لأحدٍ دَيْنٌ عليكم. واحدةٌ دينٌ عليكم بعضِكم لبعض، دومًا: المحبّة” (رومة 13: 8).

-يسوع أحبّني ودعاني إلى أن أحبّه أنا على قدر طاقتي. أحبّني وبذل نفسه لأجلي، دعا الجميع إلى رحاب ملكوت الله، وثبت على هذه المحبّة، ولو أنّه صادف الرفض والعداء من بعض الناس. وهو لا يزال يدعونا بإلحاح إلى تقبّل هذه المحبّة والسلوك بموجب أبعاد هذه المحبّة.

4. يسوع دفع خُطاي في طريق المحبّة

– هو علّمني وصبر عليّ. شرح لي وشجّعني على المضيّ قُبُلاً. ووفّقني لالتقاط بعض ما أوصانا به، وهو الذي قال لنا: “اذكروا الكلام الذي قلتُه لكم” (يوحنّا 15: 20).

ألم يكن هو الذي قال لي ولجميع المُصغين إلى كلامه: “أنا نور العالم. فمن تبعني لا يمشي في الظلام، بل يكون له النور الذي يقود إلى الحياة” (يوحنّا 8: 12).

-ألم يبعث في نفوسنا الطمأنينة، إذا نحن تبعناه وعملنا بوصاياه، فأكّد لنا: “أنا الطريق والحقّ والحياة” (يوحنّا 14: 6). ونبّهنا قائلاً: “إنّكم بمعزل عنّي لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا” (يوحنّا 15: 5).

فهو الذي أمسك بيدي وسار معي في معارج الطريق. وذلك من أوّل درب الخلاص، وإطلالة الحقّ وتشعّب الحياة، يقودني في سلوك الطريق ويهديني في مختلف معارجها، ويصل بي إلى ميادين الحياة.

– وهو الذي فتح مغاليق عقلي وقلبي، وأفهمني أنّه هو مخلّص الجميع، وأنّ محبّته تريد أن تدفع الجميع إلى رحاب الله الواسعة، التي تتّسع لجميع الذين يلتمسونه بصدق قلوبهم.

5. يسوع علّمني مبادئ شريعة المحبّة

كان يسوع المسيح الطريق الذي يهديني في مسالك الحياة ويفتح لعقلي فسحات الفهم.

1)   سمعتُ في إنجيله تلخيصًا لشريعة المحبّة.

عندما سأله واحد من علماء الشريعة، ما أعظم الوصايا، أجمل كلّ شيء في الناموس والأنبياء بوصيّتين شاملتين:

“تحبّ الربّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكلّ ذهنك”، هذه هي الوصيّة الكبرى والأولى. والثانية مثلها شأنًا: “تحبّ قريبك مثل نفسك”. إلى هاتين الوصيّتين مَرَدّ الشريعة كلّها والأنبياء (متى 22: 37-40).

2)   وقريبـي هو كلّ إنسان، حتّى الغريب عنّي. وقد أوصاني يسوع أن أوسّع فسحة القرابة حتّى لتشمل كلَّ إنسان، وحتّى العدوّ: “سمعتم أنّه قيل: أحبب قريبك وأبغض عدوّك. أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم، [وأحسنوا إلى من يبغضكم]، وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم…” (متى 5: 43-44).

3)   وسمعته يقول لي: “اذهب واعمل أنت أيضًا هكذا” (لوقا 10: 37).

هذا في سياق حديث وسّع آفاق الرحمة والمحبّة حتّى تشمل الجميع. فضرب للذي سأله: “من هو قريبـي؟”، مَثَل السامريّ، والسامريّ يعدّه اليهود من الغرباء عنهم. مرّ هذا السامريّ في طريق سفره على يهودي “وقع على لصوص عرّوه وأوسعوه ضربًا ومضوا وقد تركوه بين حيّ ومَيت”، كما يصف الإنجيل الواقعة في هذا المَثَل. وبقي على هذه الحال، مرّ عليه كاهن ولاويّ أبصراه ومالا عنه. ثمّ مرّ به السامريّ. ويروي الإنجيل في المَثَل: “فرآه فرقّ لحاله. فمال إليه فضمّد جراحه صابًّا عليها زيتًا وخمرًا، وحمله على دابّته الخاصّة وأتى به الفندق واعتنى بأمره. وفي الغد أخرج دينارين ونَقَدهما لصاحب الفندق وقال له: اعتنِ به، ومهما أنفقتَ فوق هذا أدّيته إليك عندما أعود”.

وتوجّه يسوع بالكلام إلى سائله. وقال له: “فأيّ هؤلاء الثلاثة في رأيك، كان قريبًا للذي وقع على اللصوص؟ قال: الذي عامله برحمة. فقال له يسوع (وقالها لي أنا أيضًا): اذهب واعمل أنت أيضًا هكذا” (لوقا 10: 29-37).

4)   ولقد تغلغل في مفاصلي أنّه في آخر الزمان سيأتي في مجده ليدين البشر أجمعين وينصب أمام أعينهم أفعالهم ويقيسها وفقًا للمعيار الصحيح الفاصل، كما يروي الإنجيل:

“حينئذٍ يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا، يا مُباركي أبي، رِثوا الملكوت المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم: لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطشتُ فسقيتموني. كنتُ غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني؛ وكنتُ مريضًا فعُدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ.

حينئذٍ يجيب الصدّيقون قائلين: متى رأيناك جائعًا فأطعمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناك غريبًا فآويناك أو عريانًا فكسوناك، ومتى رأيناك مريضًا فعُدناك أو محبوسًا فأتينا إليك؟

فيجيب الملك ويقول لهم: الحقّ أقول لكم إنّ كلّ مرّة صنعتم ذلك إلى أحد هؤلاء الصغار الذين هم إخوتي فإليّ قد صنعتموه” (متّى 25: 34-40).

5)   مِثل هذا تأكيد لما أعلنه يسوع في عظته الشهيرة على الجبل (متّى 5: 1 إلى 7: 29).

ومن أعظم متطلّباتها ما جاء مختصرًا لجميع المبادئ والتطبيقات: “كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل” (متى 5: 48).

وفي إنجيل لوقا إشارة إلى وجهٍ خاصّ في معاملة الله لنا نحن البشر: “فكونوا رحماء كما أنّ أباكم رحيم” (لوقا 6: 36).

6. بعض ملامح يسوع المسيح

من الملامح الخلاّبة في شخص يسوع المسيح وتصرّفه أقتصر على وجه يدلّ أوضَح وأحبّ دليلٍ على موقفه في الحالات المستعصية وتجاه المهمّشين والضائعين، ينقلهم من نَفَق البُعد إلى كرامة أولاد الله وإلى حضن الجماعة.

1)   تلك المرأة الكنعانيّة التي هرعت إليه تناشده أن يشفي ابنتها العليلة: تذمّر التلاميذ الذين رافقوا يسوع إلى خارج مَواطن اليهود من إلحاح هذه الغريبة عن شعب الله، وطلبوا إلى يسوع أن يصرفها.

أمّا هو فقد عاملها في البدء أمام التلاميذ ببعض الخشونة لكي يمهّد لها أن تُعلِن إيمانها به وبقدرته الشافية. وعندها قال لها: يا امرأة عظيم إيمانك… وشفى ابنتها.

وشفى موقف التلاميذ إذ بيّن لهم أنّ الإيمان هو أساس الانتساب إلى شعب الله.

هكذا تخطّى يسوع الحدود، ووسّع الفُسحات، وقَلَب المعايير، وأوجد الحلّ الصائب في المأزق العَسِر. (راجع متى 15: 21-28؛ مرقس 7: 24-30).

2)   وهناك رسلُه، يخشون الغرق في العاصفة، ويسوع نائم (مرقس 4: 35-41).

يُسرعون إليه ويوقظونه ويتوسّلون إليه: “يا معلّم، أَمَا يهمّك أنّا نهلك؟” (مرقس 4: 38).

فيجيب مؤنّبًا ومشجّعًا: “لم خوفكم هذا! أحتّى الآن لا إيمان لكم؟” (4: 40).

هذه صورة لوضعنا ومسالكنا ومواقفنا:

نحن نجري وحولنا عاصفة هموم الدنيا ومزالق المخاطر، ونكاد نغرق ويُقضَى علينا.

ويسوع كأنّه غائب عنّا: يا ربّ، ألا يهمّك أنّنا نغرق؟

بلى يسوع يهمّه ذلك كلّه. وهو الذي يدعونا إلى الثقة به والإيمان بعطفه ومحبّته. ويردّد على مسامعنا: لماذا أنتم خائفون؟ إنّي أنا معكم”. ويشجّعنا قائلاً: “لا تخف أيّها القطيع الصغير” (لوقا 12: 32). ويعدنا أفرادًا وجماعة: “هاءنذا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر” (متّى 28: 20).

نعم، يا رب، العواصف من حولنا تقطع أنفاسنا، ونحن خائفون. نخاف عندما لا نتوكّل إلاّ على أنفسنا، على فهمنا وقدرتنا.

لا، يا ربّ، ليس لي، ليس لنا أن نذهب وحدنا في طريقنا الوعر. بل نسير معك على ضوء وجهك. فاسكب علينا جميعًا أفرادًا وأسَرًا وجماعات وعلى كنائسنا وأديارنا ورعايانا طمأنينة حبّك وبركة عطفك.

7. وعود يسوع

1)   أكّد يسوع لي ولنا في إنجيله أنّه هو الراعي الصالح، يهتمّ بشؤون خرافه واحدًا واحدًا وجماعةً جماعة.

قال: “أنا الراعي الصالح؛ الراعي الصالح يبذِل نفسه عن الخِراف” (يوحنّا 10: 11). ووسّع فُسحات مراعي الكنيسة والجماعة المؤمنة به، حيث أكّد: “إنّ لي خرافًا أخرى ليست من هذه الحظيرة، فهي أيضًا ينبغي أن أقودها، وإنّها ستسمع صوتي فتكون الرعيّة واحدة والراعي واحدًا” (يوحنّا 10: 16).

هذه الآفاق خلبت لبّي، ودَفَعتني منذ أكثر من خمسين سنة في ميادين البحث عن خراف يسوع في العالم كلّه، وخصوصًا في بقاع الشرق. وسارت بي إلى البحث عن أنواع الشركة المختلفة، في جماعة المسيح المرئيّة، ومن وراء أبعاد هذه الجماعة في آفاق محبّة الله الرّحبة.

وأنا ألتمس من عطفه أن يتغاضى عن تقصيري، ويُمدَّني بعونه لتنجلي أمام عيوني وعيون خدّامه فسحات آفاق مقاصده الخلاصيّة الشاملة.

2) وعدنا يسوع بإرسال الروح القدس، وقد أرسله على تلاميذه المجتمعين مع مريم العذراء، يوم العنصرة.

وقال عن الروح:

– “أمّا الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كلّ شيء ويذكّركم جميع ما قلته لكم” (يوحنّا 14: 26)

– فمتى جاء روح الحقّ، فإنّه يرشدكم إلى الحقيقة كلّها ويخبركم بكلّ ما سيأتي” (يوحنّا 16: 13).

– “ومتى جاء المعزّي الذي سأرسله إليكم من عند الآب، روح الحقّ الذي من الآب ينبثق، فهو يشهد لي” (يوحنّا 15: 26)

من هنا تنفتح أمام الكنيسة وأمامنا ميادين واسعة، فننمو في المعرفة درجاتٍ لا تنتهي، ونقطع مراحل محبّة الله في باحاتٍ لا حدّ لها.

3)   ويسوع معلّمي ومخلّصي وهاديّ في مسالك حياتي قد وهبنا تعزية عطفه، وقال:

– “السلام أستودعكم، سلامي أعطيكم” (يوحنّا 14: 27).

– قلتُ لكم هذا لكي يكون لكم فيّ السلام” (يوحنّا 16: 33).

– “ولئن تكلّمت بهذا وأنا بعدُ في العالم فلكي يكون لهم فرحي كاملاً فيهم” (يوحنّا 17: 13).

4)   وقد قال لي يسوع في إنجيله كلمة تحزّ في قلبي وتقلقني، وهي من عنده عتاب رقيق ونداء ملحّ. قال: “متى جاء ابن البشر (يعني نفسه)، هل يجد الإيمان على الأرض؟” (لوقا 18: 8).

وأنا أسأله وأكرّر السؤال: ألعلّك تشكّ فيّ أنا كذلك، يا ربّ. وأحاول ان أعبّر عن مشاعري:

أنا أومن بك وبإنجيلك، يا ربّ.

ورجائي أن تثبّتني أنتَ في الإيمان.

وإنّي لأعلم أنّ هناك في الدنيا في شتّى الجماعات من يؤمن بالله، ويصلح أن يستظلّ في حمى عطفك، فتضمّه إلى قطيع خرافك.

وأرجو أن ترعاني بعطفك، فلا تنبذني لأجل تقصيري وسيّئاتي، بل عاملني بحسب رحمتك، التي قال عنها رسولك يعقوب: “إنّ الرحمة ستغلب الدينونة” (يعقوب 12: 13).

8. عطايا يسوع

منحنا يسوع المسيح أثمن الهدايا.

– وعدنا بأن يكون معنا كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر.

– وهبنا كلمات الحياة في إنجيله.

– وهبنا روحه القدّوس، فانطلقت الكنيسة منذ يوم العنصرة تحمل بشارة الخلاص إلى أرجاء العالم كلّه.

– عطيّته الكبرى هو أنّه منحنا ذاته، جسده ودمه، مأكلاً ومشربًا، غذاءً إلهيًّا، وتأكيدًا لحضوره الدائم في جماعاتنا.

– وأعطانا أمّه العذراء مريم أمًّا لنا وللكنيسة كلّها وللبشريّة جمعاء.

فمن كان يسوع المسيح ربّه ومعلّمه ومخلّصه وكانت العذراء مريم أمّه، ملأ الرجاء أحشاءه والفرح قلبه.

ختام (اعتراف توما: يوحنّا 20: 28)

فيا يسوع، “ربّي وإلهي ومخلّصي،

أمنيتي إليك ورجائي

أن ترافقني على دروب حياتي

رحمتُك وهدايتك ومحبّتك.

وعندما يحين وقت انحلالي ووفاتي

فافتح لي فسحة عطفك

فأكون معك

وأنعم بقربك

ومعرفة مجد الله

ويطلقني حبّك مع جميع مختاريك

في أجواء الله الآب والابن والروح القدس

في رحلة أبديّة لا نهاية لها.