Al-Mawadda

Al-Mawadda

القديسة تيريزيا الأفيليّة

عظة لعيد القديسة تيريزيا الأفيليّة

كرمل حريصا (15/10/2014)

إنّ قداسة البابا فرنسيس قد أعلن سنة 2015 سنة يوبيل لكلّ الأبرشيات الإسبانيّة بمناسبة المئويّة الخامسة لميلاد القديسة تيريزيا الأفيليّة. وُلِدت القديسة تيريزيا سنة 1515 قرب مدينة أفيلا في عائلة من يهود مرتدّين إلى المسيحية. دخلت الكرمل سنة 1553 ضدّ إرادة والدها. تميّزت نفسها بروحانيّة عميقة، باشرت يإصلاح كبير للكرمل، وتوفيت في 15 تشرين الأول سنة 1582.

تمّ تطويبها سنة 1614، وإعلان قداستها سنة 1922، وأُعلِنت شفيعة لإسبانيا سنة 1927. وسنة 1970 أُعلِنت مع القديسة كاترين دي سيينّا المرأة الأولى في عداد معلّمي الكنيسة.

قيل عنها مرارًا إنّها أعظم قديسة عرفها التاريخ، والأكثر امتيازًا في حياتها الداخليّة وفي شجاعتها وفي العمل الخارق التي حققته في حياتها. تعذبت كثيرًا لإدخال الإصلاحات في الرهبانيّة الكرمليّة، كما تعذّب القديس يوحنا للصليب إذ بقي مسجونًا في ديره مدة سنتين.

دخلت الكرمل في الحادية والعشرين من عمرها. وبدأت مسيرة رهبانيّة شاقّة. ففي بدء حياتها الرهبانيّة لم تكن تتقبّل أيّ انتقاد، ولا سيّما الانتقادات التي كانت ترى أنّها لا تستحقّها. وكانت تسعى للحصول على تقدير أخواتها الراهبات. عانت من اليبوسة الروحية. أصابها مرض ثقيل، وأشرفت على الموت وهي في الثالثة والعشرين من عمرها. وبقيت حالتها غير مستقرّة حتى السن الأربعين. حينئذ رأت تمثالاً ليسوع وهو تحت الجلد، والدماء تسيل من جسمه. فأدركت الحب العظيم الذي أظهره يسوع لأجلنا، وبأيّ جدّيّة علّمنا أن نحبّ الله. إذّاك بدأت تتأمّل كلّ مساء بنزاع يسوع في بستان الزيتون، وراحت تتعمّق في تأملاتها، فتراءى لها يسوع يومًا وسمعته يقول لها: “لا تخافي، لن أتخلّى عنكِ”. حينئذ قرّرت تغيير حياتها ونذرت النذر الأكمل، ألا وهو بأن تصنع دومًا ما هو الأفضل. واستعانت لتتميم قصدها بممارسة الصلاة التأمّليّة وتناول القربان المقدّس. واستسلمت كلّيًّا لمشيئة الله، وتأكّدت من أنّه يجب على الكرمليّات أن يقمن بعمل ما للبقاء أمينات للمسيح ولدعوتهنّ الرهبانيّة.

فأسست كرملاً جديدًا في أفيلا مع أربعة طالبات يتامى. لكنّ السلطات أرغمتها على العودة إلى ديرها، حيث قضت سنوات عديدة في حياة رهبانيّة بعيدة كلّ البعد عن القداسة. لكن بعد ستة أشهر سُمِح لها بالعودة إلى ديرها الصغير وإلى بناتها الأربع. فراحت تدرّب طالباتها على الصلاة التأمّلية وعلى العيش في التقشّف والفقر الشديد.

ومع الصلاة والعمل خلقت القديسة تيريزيا داخل الدير جوًا من الراحة وأدخلت في البرنامج اليوميّ بعض الفرص تتخلّلها أغاني ورقصات ترافقها آلات موسيقيّة بحسب قول صاحب المزامير : “سبحوا الله بأوتار الأرغن، سبحوه بالطبل والدفوف”. وكانت تقول: “كلّ هذا ضروريّ لجعل الحياة حلوة لتمجيد الله”. وبمساندة السلطات الدينيّة أسّست في حياتها 16 ديرًا للكرمليّات و14 ديرًا للكرمليّين المصلَحين. وهذا عمل هائل يتطلّب تنقّلات كثيرة في ظروف فقيرة وفي طرقات وعرة، كما يتطلّب بنوع خاصّ جرأة وتضحيات تفوق قدرة الإنسان العاديّ. عندما كانت تيريزيا في السابعة من عمرها سمعت بكلمة “الأبديّة”. وعندما علمت أنّ هذه الكلمة تعني “الحياة على الدوام”، وأنّ الشهداء يتمتّعون على الفور بسعادة لا توصَف بقرب الله، قرّرت مع أخيها رودريكوس أن تذهب لتبشير المسلمين وتموت شهيدة. لم يتمّ مشروعها، لكنّ حياتها كلّها كانت استشهادًا يوميًّا.

سنة 1582 في السابعة والستين من عمرها توفّيت على أثر مرض في القلب وفي الأعصاب وفي الرئتين. وكانت تردّد وهي على فراش الموت: “يا ربّ، أنا ابنة الكنيسة”، وآخر ما قالته: “حان الوقت، يا سيّدي، ليرى أحدنا الآخر”. توفّيت والابتسامة على شفتيها لتذهبَ وتلاقيَ من أحبّته حبًّا شديدًا وكرّست حياتها لنشر ملكوته، ملكوت المحبة والسلام.