Al-Mawadda

Al-Mawadda

عظة جناز المسيح 2014

+ المطران كيرلس سليم بسترس
متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيّين الكاثوليك

أيّها الأحباء! احتفلنا البارحة برتبة صلب المسيح، ومن بين الصلوات الجميلة التي تلوناها قولُ المسيح لليهود: “هكذا يقول الربّ لليهود: يا شعبي، ماذا صنعتُ لك؟ وبماذا آذيتكَ؟ إنّي أنرتُ عميانَكَ، وطهّرتُ برصَكَ، وقوّمتُ الرجلَ الذي على السرير. يا شعبي، ماذا فعلتُ لك؟ وبماذا كافأتني؟ عوض المنّ مرارة، بدل الماء خلاًّ. عوض أن تحبَّني سمّرتني على الصليب! فلا أستطيع إلى الصبر سبيلاً. سأدعو الأمم، فهم يمجّدونني مع الآب والروح القدس. وأنا أهبهم حياة أبديّة”.

نتساءل لماذا طلب اليهود من بيلاطس أن يحكم لهم بصلب المسيح؟ ففي أحد الشعانين، راحت الجموع تحيّي يسوع قائلين: “مبارك الآتي باسم الرب ليعيد مملكةَ أبينا داود”. وبعد بضعة أيام راحوا يصرخون أمام بيلاطس: “ليُصلَب!” ولمّا سألهم بيلاطس: “أأصلبُ ملككَم؟” أجابوه: “ليس لنا ملكٌ غير قيصر”. فمن جهة شعر الفريسيون ورؤساء الكهنة بأنّ الشعب راح يتبع المسيح، وأن سلطتَهم في خطر الزوال، فقرّروا أن يقتلوا يسوع. ومن جهة أخرى أراد اليهود مسيحًا ملكًا زمنيًّا، ولما أدركوا أنّ يسوع لم يرد أن يعلو على عرش أرضي، بل أن يملك على القلوب ويردّ الناس إلى الله، خاب ظنّهم ورفضوه. وفي الواقع عندما مثل يسوع أمام بيلاطس سأله بيلاطس: “أأنتَ ملك؟” أجابه يسوع: “إنّ مملكتي ليست من هذا العالم. جئتُ إلى العالم لأشهدَ للحقّ، فكلّ من كان من أهل الحقّ يسمع صوتي”.

أيّها الأحبّاء! تاريخ البشريّة هو تاريخ الصراع بين الحقّ والباطل. جاء يسوع إلى العالم ليشهد للحقّ، وقد أوجز الإنجيليّ يوحنا رسالة يسوع بقوله إنّه “الطريق والحقّ والحياة”. أين نحن اليوم من اتّباع الحقّ ومن الشهادة للحقّ؟ ماذا نرى في العالم؟ على الصعيد العالميّ، معظم الدول لا تعرف الحق، بل تتبع مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة. وعلى صعيد لبنان يسود الفساد، وتسود الرشوة، ويسود الباطل بين الأفراد وفي المجتمع وفي كثير من مؤسّسات الدولة. يقول بولس الرسول: “جميع الذين لا يسيرون بحسب المسيح “يُعيدون في أنفسهم صلبَ ابن الله”.

صلب اليهود يسوع وأودعوه في قبر، ووضعوا حراسًا على باب القبر، واطمأنّوا أنّه مات وقُضي عليه. لكنّ الحقّ لا يمكن أن يموت. ولا يمكن لقبر مهما كان مُحكمًا أن يضبطَ “الضابطَ الكلّ”، كما نقول في صلاتنا: ” في قبر وُضعتَ يا يسوع الحياة، إلاّ أنّك حللتَ سلطان الموت، وأنبعت للبشر الخلود”. لذلك قام المسيح، وتلاميذه الذين كانوا اثني عشر بالعدد صاروا اليوم مئات الملايين.

المسيح الحقّ لا يزال حيًّا منذ ألفي سنة، وسيبقى “هو هو أمس واليوم إلى الدهور”. وستبقى كنيسته تشهد للحق، وسنبقى نحن تلاميذه نشهد للحقّ ونعيش الحقّ في حياتنا الشخصيّة وفي عائلاتنا وفي مجتمعنا. ونطالب المسؤولين في الدولة أن يتعالوا عن مصالحهم الفرديّة الأنانيّة الضيقة، لينظروا إلى مصلحة الشعب ومصلحة هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه. كما نرجو أن تتحقّق رغبة جميع اللبنانيّين بأن يتمّ بدون تأخير، وفي المهلة التي يحدّدها الدستور، انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. هذه المسؤوليّة قد ألقاها الشعب على عاتق نوّاب الأمّة. فنطالبهم بتحمّلها بدون تلكّؤ ولا تهرّب. ونقول لكلّ منهم وللجميع مع بولس الرسول: “استيقظْ أيّها النائم، وقُمْ من بين الأموات، فيُضيءَ لك المسيح” (أفسس 14:5).

أعاد الله عليكم وعلى عائلاتكم وعلى وطننا لبنان هذه المواسم المقدّسة لسنين كثيرة. وكلّ عيد وأنتم بخير.