Al-Mawadda

Al-Mawadda

عظة اثنين الفصح 2015

أيّها الأحباء! احتفلنا البارحة بذكرى قيامة المسيح من بين الأموات. واليوم نحتفل بقيامة الرسل وقيامتنا نحن. المسيح قام من بين الأموات وبقيامته انتصر على الموت، وحرّر العالم من الخوف من الموت. في عشية أحد القيامة، يقول لنا الإنجيل المقدس، كان التلاميذ مجتمعين والأبواب مغلقة خوفًا من اليهود. فتراءى لهم يسوع وقال لهم: السلام لكم. ولما قال هذا أراهم الجروحات في يديه وجنبه، ليبيّن لهم أنّه هو نفسُه المسيح الذي صُلِب، وها هو الآن قائم من الموت وحيّ بحياة جديدة. فزال الخوف من قلوب التلاميذ وامتلؤوا فرحًا وسلامًا. ثمّ قال لهم: “كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم.” إنّ الآب قد أرسل يسوع ليُنشئ على الأرض ملكوت الله، ملكوت المحبة والسلام. وها إنّ يسوع يرسل تلاميذه ليتابعوا رسالته بأن ينشروا في العالم ملكوتَ المحبة والسلام.

هذه رسالة المسيحيّين اليوم في هذا العالم المضطرب، وهذه رسالتنا بنوع خاص نحن أبناء الكنائس الشرقيّة في هذا العالم العربيّ والإسلاميّ الذي يتقاتل أبناؤه بوحشية وهمجية لا مثيل لهما، وفيه يُضطهَد المسيحيون ويُقتلَعون من أرضهم التي عاشوا فيها مدة ألفي سنة وتُدمَّر بيوتهم وحضارتُهم، وعلى أيديهم وفي جنبهم آثار جروحات المسيح. إلى هذا الجوّ المفعم عنفًا وقتلاً، يرسلنا السيد المسيح قائلاً لنا اليوم كما قال لتلاميذه: “كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم.” في ختام سينودس “الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الوسط”، أطلقنا نداء قلنا فيه: “نحن اليوم أمام منعطف تاريخيّ، وإنّ الله الذي وهبنا الإيمان المسيحيّ في هذا الشرق منذ ألفي سنة يدعونا إلى أن نستمرّ بجرأة وقوّة وثبات في حمل رسالة المسيح والشهادة لإنجيله الذي هو إنجيل المحبة والسلام”. ونؤكّد اليوم أنّ الدول العربيّة والإسلاميّة في هذا الشرق لن تعرفَ السلام ما لم تقبل رسالةَ المسيح، التي هي رسالة محبة وسلام. فالمسيح هو سلامنا. فقد مات عن جميع البشر ليجعل منهم، كما يقول بولس الرسول، “إنسانًا واحدًا جديدًا بإحلاله السلام بينهم، ويصالحهم مع الله في جسد واحد، بالصليب الذي به قتل العداوة” (أفسس 14:2-16).

هذه رسالتنا سنستمرّ في القيام بها، ونحن نعلم أنّها ستكلّفنا الكثير من الجروحات والآلام. لكننا نؤمن بأنّ نهاية الطريق هي القيامة، لأنّنا لسنا وحدنا بل المسيح الحيّ المنتصر على الموت معنا، هو الذي يقول لنا اليوم كما قال لتلاميذه: إذهبوا وعلّموا جميع الأمم، “وها أَنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر”.

في مثل هذا العيد من السنة الماضية، في هذه الكنيسة بالذات، قلنا: “في جوّ القيامة هذا، جوّ المحبة والمصالحة والسلام، نطلب من نوّاب الأمّة أن يقوموا بواجبهم الوطنيّ بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة في المهلة التي يحدّدها الدستور. هذه وكالة قد منحهم إيّاها الشعب. فنطالبهم بالعمل بها بأمانة وحريّة، بدون مساومات، وبدون انتظار كلمة السرّ تأتيهم من الخارج”. والبارحة قلنا في عظة العيد: إنّ كلمة الفصح تعني العبور، وعيد الفصح هو عيد العبور من العبوديّة إلى الحرية. وأضفنا: “هناك نوعان من العبوديّة: العبوديّة للخارج، والعبوديّة للأنانيّة. إنّ العبوديّة للخارج هي مصيبة المصائب. إنّ الذين صنعوا الاستقلال أرادوا أن يتحرّروا من العبوديّة للخارج، سواء أكان في الشرق أم في الغرب، ليصيروا كلّهم من مختلف طوائفهم أبناءً أحرارًا في وطن حرّ مستقل. ما بالنا اليوم نرغب في العودة إلى العبوديّة؟ ماذا ينتظر نوابنا الكرام لينتخبوا رئيسًا للجمهوريّة؟ لقد شاع مع الأسف القول إنّ رئيس الجمهوريّة اللبنانية يأتي دومًا تعيينُه من الخارج. فهذا يعني أنّنا لا نزال تحت نير العبوديّة”. أمّا عن العبودية للأنانيّة، فقلنا: “إنّ الحريّة تنبع من الداخل، ومن لم يتحرّر من داخله لا يستطيع أن يحرّرَ الوطن. لذلك نطلب من المرشَّحين للرئاسة أن يتخلَّوا عن أنانيّتهم التي هي أصل كلّ النزاعات، ويتخلّقوا بأخلاق المسيح الذي أخلى ذاتَه آخذًا صورة عبد، وراح يغسل أرجل تلاميذه، ثمّ قال لهم: “إذا كنتُ أنا، الربَّ المعلّم، قد غسلتُ أقدامَكم كان عليكم، أنتم أيضًا، أن تغسلوا بعضُكم أقدامَ بعض. لقد جعلتُ لكم من نفسي قدوةً لكي تصنعوا كما صنعتُ لكم” (يو 14:13)

لا قيامة لأيّ إنسان من دون الموت عن أنانيّته، ولا قيامة للبنان من دون التخلّي عن المصلحة الشخصيّة من أجل مصلحة الوطن. نرجو أن يسمع الجميع رسالة السيد المسيح هذه. حينئذ نستطيع أن نرنّم مع الكنيسة جمعاء: “هذا هو اليوم الذي صنعه الربّ. فلنفرح ولنتهلّل به”.
المسيح قام – حقًّا قام!