Al-Mawadda

Al-Mawadda

عظة اثنين الفصح 2014

«كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم»

أيّها الأحباء! هذا الاثنين يُدعى “اثنين الباعوث”، أعني اثنين الإرسال، من “بعث” أي “أرسل”. وهو يذكّرنا بما جرى في مساء يوم القيامة، عندما تراءى المسيح القائم من بين الأموات لتلاميذه، ونفخ فيهم وقال لهم: “خذوا الروح القدس، من غفرتم خطاياهم غُفِرت لهم”. هذه النفخة تذكّرنا بالنفخة التي خلق بها الله آدم، حسب قول سفر التكوين إنّ الله بعد أن كوّن الإنسان من التراب “نفخ في أنفه نسَمةَ حياة، فصار الإنسان نفسًا حيّة” (7:2). المسيح القائم من بين الأموات، بنفخه الروح القدس في تلاميذه، كوّن فيهم إنسانًا جديدًا ممتلئًا من الروح القدس. فالروح القدس الذي ناله التلاميذ هو روح الله نفسه، فالتعريف بالله في العهد الجديد هو أنّ “الله محبة”. فنفخُ الروح القدس في التلاميذ هو لتأليههم وإرسالهم لتأليه العالم: “كما أرسلني الآب، كذلك أنا أرسلكم”. أرسلكم للتبشير بروح جديدة، روح المحبة والمصالحة والمغفرة. أرسلكم للتبشير بالمحبة بين جميع الناس، والدعوة إلى المصالحة بين جميع الأمم، والنداء بالمغفرة لجميع الأعداء. لذلك نقرأ اليوم الإنجيل في مختلف اللغات، معلنين لكلّ الشعوب أنّ المسيح قام من بين الأموات وبموته انتصر على الموت، وبصليبه حرّر العالم من عبودية الخطيئة. فلا حياة من دون موت، ولا قيامة من دون صليب.

هذا ما يريد السيد المسيح أن نعلنه لجميع الناس: “إنّ حبة الحنطة الواقعة في الأرض إن لم تمت تبقى وحدها، وأمّا إن ماتت فإنّها تأتي بثمر كثير.” الإنسان من طبيعته يميل إلى الأنانيّة وحبّ الذات. ويلجأ إلى كلّ الوسائل للسيطرة على الآخرين واستغلالهم لمصلحته الشخصيّة. هذه الأنانيّة هي أصل كلّ النزاعات بين الناس وأصل كلّ الحروب بين الدول. يسوع رسول المحبة علّمنا بموته على الصليب أنّه “ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذلَ الحياةَ عن أحبّائه”. يسوع رسول السلام علّمنا بصليبه أنّه لا بدّ للناس من أن يتخلّوا عن أنانيّتهم، ويصلبوا أهواءهم وشهواتهم، للوصول إلى القيامة والعيش معًا بسلام. يسوع المسيح هو سلامنا. فقد مات عن جميع البشر ليجعل منهم جميعًا، كما يقول بولس الرسول، “إنسانًا واحدًا جديدًا بإحلاله السلام بينهم، ويصالحهم مع الله في جسد واحد، بالصليب الذي به قتل العداوة” (أفسس 14:2-16). لذلك في عيد القيامة تزول كلّ العداوات بين الناس، كما نرتّل في صلاة العيد: “هوذا يوم القيامة، فلنتباه بالموسم ولنقل أيّها الإخوة: إنّنا، من أجل القيامة، نصفح لمبغضينا عن كلّ شيء”.

في هذا العيد، نطلب إلى السيّد المسيح، كما دحرج الحجر عن باب قبره وقام إلى حياة جديدة، أن يدحرجَ أيضًا الحجر عن باب قلوب جميع اللبنانيّين، فيزيلوا من نفوسهم كلّ روح بغض وتفرقة، ويملأوها من روح الله، فينفتحَ بعضهم على بعض، ويتصالح بعضهم مع بعض، ويخرجوا من الظلمة إلى النور. ونقول لكلّ منهم مع بولس الرسول: “استيقظْ أيّها النائم، وقُمْ من بين الأموات، فيُضيءَ لك المسيح”.

في جوّ القيامة هذا، جوّ المحبة والمصالحة والسلام، نطلب من نوّاب الأمّة أن يقوموا بواجبهم الوطنيّ بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة في المهلة التي يحدّدها الدستور. هذه وكالة قد منحهم إيّاها الشعب. فنطالبهم بالعمل بها بأمانة وحريّة، بدون مساومات، وبدون انتظار كلمة السرّ تأتيهم من الخارج. وإلاّ فليُقرّوا بعجزهم ويردّوا هذه الوكالة للشعب، فتصير انتخابات رئيس الجمهوريّة مباشرة من الشعب، على غرار معظم الدول الديمقراطيّة الحرّة.

وليملأ قلوبكم وقلوبَ جميع اللبنانيّين فرحُ المسيح القائم من بين الأموات. “هذا هو اليوم الذي صنعه الربّ. فلنفرح ولنتهلّل به”.
المسيح قام – حقًّا قام!