Al-Mawadda

Al-Mawadda

عظة أحد الفصح 2015

إنّ المسيح بقيامته قد نقلنا من العبودية إلى الحرية

أيّها الأحباء! عيدنا اليوم هو عيد الانتقال من العبوديّة إلى الحريّة. في التسبحة الأولى من سحر العيد نرتل: “اليوم يوم القيامة، فلنتفاخر أيها الشعوب. فالفصح فصح الرب، لأنّ المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة، ومن الأرض إلى السماء، نحن المرنمين نشيد الانتصار.” إنّ لفظة الفصح تعني العبور. فعيد الفصح كان في العهد القديم عيد عبور اليهود مع موسى النبيّ من أرض مصر، أرض العبودية تحت نير الفراعنة، إلى أرض الحرية. لذلك لدى خروجهم من مصر رنموا نشيد الانتصار. أمّا نحن فنرنّم نشيد الانتصار، لأنّ المسيح قد أجازنا من الموت إلى الحياة، ومن الأرض إلى السماء، أي من موت الخطيئة إلى حياة النعمة، ومن عبودية الشرّ إلى حرية أبناء الله.

يقول بولس الرسول: “لقد حرّرنا المسيح لكي ننعمَ بهذه الحريّة. فاثبتوا إذن فيها، ولا تعودوا ترتبطون بنير العبوديّة” (غلاطية 1:5). ثمّ يُضيف: “فأنتم، أيها الإخوة، إنّما دعيتم إلى الحرية. ولكن لا تجعلوا هذه الحرية فرصة للجسد، بل كونوا بالمحبة خدامًا بعضُكم لبعض” (13:5). وفي رسالته إلى الكولسيّين يقول: “لقد قمتم مع المسيح، فاطلبوا إذن ما هو فوق، حيث يقيم المسيح جالسًا عن يمين الله. اهتموا لما هو فوق، لا لما هو على الأرض (1:3-2). ثم يُضيف: “إنّكم قد خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الإنسان الجديد، الذي يتجدّد بالمعرفة على صورة خالقه” (9:3-10).

هذا الانتقال من الإنسان العتيق إلى الإنسان الجديد قد حدث لنا منذ معموديتنا، كما يقول أيضًا بولس الرسول: “نحن الذين اعتمدنا للمسيح قد اعتمدنا لموته. فلقد دٌفِنّا معه بالمعمودية للموت، حتى إنّنا كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب، كذلك نسلك، نحن أيضًا، في جِدّة الحياة… عالمين أنّ إنساننا العتيق قد صُلِب معه، لكي يتلاشى جسد الخطيئة، بحيث لا نُستعبَدُ بعدُ للخطيئة، لأنّ الذي مات قد تحرّر من الخطيئة” (3:6-7). هذا ما أكّده السيد المسيح بقوله: “الحقّ الحقّ أقول لكم إنّ من يرتكب الخطيئة هو عبد للخطيئة… فإذا حرّركم الابن صرتم بالحقيقة أحرارًا” (يو 34:8-36).

منذ معموديتنا تحرّرنا إذن من الخطيئة. لكنّ الحرية هي عمل دائم. إنّها القدرة على أن يصير الإنسان حرًّا غير مُستعبَد لقوى الشرّ. إنّها التحرُّرُ يومًا بعد يوم من كلّ ما يقيّدُ الإنسان من غرائزَ وشهواتٍ منحرفة. هذا على الصعيد الشخصيّ.

أمّا على الصعيد الوطنيّ، فهناك نوعان من العبوديّة: العبوديّة للخارج، والعبوديّة للأنانيّة. إنّ العبوديّة للخارج هي مصيبة المصائب. إنّ الذين صنعوا الاستقلال أرادوا أن يتحرّروا من العبوديّة للخارج، سواء أكان في الشرق أم في الغرب، ليصيروا كلّهم من مختلف طوائفهم أبناءً أحرارًا في وطن حرّ مستقل. ما بالنا اليوم نرغب في العودة إلى العبوديّة؟ عندما خرج اليهود من مصر مع موسى النبي، وتحرّروا من عبودية فرعون، وصلوا إلى الصحراء وعانوا المشقّات والمضايق. فاشتاق البعض إلى بصل مصر، وراحوا يطالبون بالعودة إلى مصر العبودية.

يبدو أن رجال السياسة عندنا مشتاقون للعودة إلى العبوديّة للخارج. ماذا ينتظر نوابنا الكرام لينتخبوا رئيسًا للجمهوريّة؟ لقد شاع مع الأسف القول إنّ رئيس الجمهوريّة اللبنانية يأتي دومًا تعيينُه من الخارج. فهذا يعني أنّنا لا نزال تحت نير العبوديّة. إنّ اللبنانيّين قد انتشروا في كلّ أنحاء العالم ووصلوا إلى مراكز راقية في مختلف الميادين السياسيّة والعلميّة. فمنهم رؤساء الجمهوريات، ومنهم الوزراء، ومنهم النواب، ومنهم رؤساء البلديات، ومنهم العلماء، ومنهم المخترعون. ونحن هنا لا نزال نبحث عن رئيس قويّ يجمع حولَه مصالحَ الوطن. لا شكّ في أنّ أدمغة كثيرة هجرت لبنان وراحت تنشر الحضارة في مختلف أصقاع العالم. ولكن ألم يبقى في هذا الوطن أناس أحرار قادرون على أن يعبروا به من العبودية إلى الحرية؟ خلاصُنا بيدنا، قيامتُنا في تضامننا بعضِنا مع بعض من كلّ الطوائف والمذاهب والفرق والأحزاب، وفي الالتفاف حول علم بلادنا الواحد وحول جيشنا اللبناني الواحد.

ربّما يكون العائق هو العبودية للأنانيّة. فالحريّة تنبع من الداخل. ومن لم يتحرّر من داخله لا يستطيع أن يحرّرَ الوطن. لذلك نطلب من المرشَّحين للرئاسة أن يتخلَّوا عن أنانيّتهم التي هي أصل كلّ النزاعات، ويتخلّقوا بأخلاق المسيح الذي أخلى ذاتَه آخذًا صورة عبد، وراح يغسل أرجل تلاميذه، ثمّ قال لهم: “إذا كنتُ أنا، الربَّ المعلّم، قد غسلتُ أقدامَكم كان عليكم، أنتم أيضًا، أن تغسلوا بعضُكم أقدامَ بعض. لقد جعلتُ لكم من نفسي قدوةً لكي تصنعوا كما صنعتُ لكم” (يوحنا 14:13-15).

هذا هو عيد القيامة الذي نصلي لكي يحتفلَ به جميع اللبنانيّين، فيخرجوا من قبر العبوديّة إلى نعمة الحريّة، ومن سجن المصلحة الأنانيّة إلى فضاء مصلحة الوطن. في هذا العيد، نطلب إلى السيّد المسيح، كما دحرج الحجر عن باب القبر وقام إلى حياة جديدة، أن يدحرجَ أيضًا الحجر عن باب قلوب جميع اللبنانيّين، فينفتحَ بعضهم على بعض، ويتقبّل بعضهم بعضًا، ليبنوا معًا وطن الحرية والكرامة. المسيح قام – حقًّا قام!