Al-Mawadda

Al-Mawadda

عظة أحد الفصح 2012

“هوذا يوم القيامة، فلنتهلّلْ أيّها الشعوب. فالفصحُ فصح الربّ. لأنّ المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة، ومن الأرض إلى السماء، نحن المرنّمين بنشيد الانتصار”.

بهذه الترنيمة الفصحيّة للقديس يوحنا الدمشقيّ يسرّني أن أحييكم، أيّها الأبناء الأحبّاء، في هذا العيد المجيد، عيد قيامة ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح، عيد انتصار الحياة على الموت، وعيد انتقالنا جميعًا من الأرض إلى السماء.

في هذا العيد نفرح ونتهلّل لأنّ يسوع المسيح بعد أن قاسى آلام الصلب والموت قام من القبر، وأقامنا معه إلى حياة جديدة، كما نرتل: “لقد قام يسوع من القبر، كما سبق فقال، ومنحنا الحياة الأبديّة وعظيم الرحمة”. نفرح على الرغم من الآلام التي لا نزال نعاني منها في هذه الحياة، وعلى الرغم من المآسي التي لا تزال تملأ عالمنا ولا سيّما في هذا الشرق العربيّ الذي يمرّ في أوقات صعبة ينتشر فيها الرعب والقلق والموت.

نفرح لأنّ الله قد غفر لنا خطايانا بموت المسيح على الصليب. نفرح لأنّ المسيح وطئ الموت وفتح لنا أبواب الفردوس. لذلك نردّد بدون كلل نشيد العيد: “المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموتَ بالموت، ووهب الحياةَ للذين في القبور”.

فنقول مع يوحنا الذهبيّ الفم:
“لا يبكيّنّ أحدٌ زلاته، لأنّ الغفرانَ قد أشرق من القبر.
لا يخشيَنَّ الموتَ أحد، لأنّ موتَ المسيح قد حرّرنا.
أخمد أنفاسَ الموت حين قبض الموتُ عليه.
سبى الجحيمَ الذي انحدر إلى الجحيم.
غاظها لما ذاقت جسده.
ذلك ما أدركه أشعيا سابقًا فأعلن قائلاً:
إغتاظت الجحيم لمّا لقيتكَ أسفل،
إغتاظتْ لأنّها أُبطِلتْ،
إغتاظتْ إذ قد هُزئ بها،
إغتاظتْ لأنّها أُميتتْ،
إغتاظتْ لأنّها أُبيدتْ،
إغتاظتْ لأنّها قُيِّدتْ،
تناولتْ جسدًا فصادفتْ إلهًا،
تناولتْ أرضًا فصادفتْ سماء،
تناولتْ ما نظرتْ، فسقطتْ بما هو غير منظور.
أين شوكتكَ يا موت؟
أين غلبتكِ يا جحيم؟
قام المسيح وأنتِ صُرعتِ.
قام المسيح والأبالسة سقطتْ.
قام المسيح والملائكة جَذِلتْ.
قام المسيح والحياةُ انتظمتْ. قام المسيح ولم يبقَ في القبر ميت.
لأنّ المسيح، بقيامته من بين الأموات، صار باكورةً للراقدين.
فله المجد والعزة إلى دهر الداهرين”.

على الرغم ممّا يحدث حولنا من أحزان وضيقات، يملأ الفرح قلبَنا لأنّ قلبنا مملوء رجاء. إنّ إيماننا بالقيامة يعطي حياتَنا معنى خاصًّا إذ يملأها رجاء بأنّ نهايتها ليست الفراغ والعدم بل المجد في جوار المسيح. لذلك مهما كثرت فينا الأمراض وثقلت علينا المحن والشدائد في هذه الحياة، نقول مع بولس الرسول: “إنّي أحسب أنّ آلامَ هذا الدهر الحاضر لا يمكن أن تُقابَلَ بالمجد المزمع أن يتجلّى لنا… إنّنا بالرجاء حصلنا على الخلاص، وبالصبر ننتظر هذا الخلاص” (روم 18:8-25). وفي العشاء السرّي أنبأ يسوع تلاميذه بأنّهم سيحزنون لموته، ولكنّه أضاف: “سأراكم من جديد، وستفرح قلوبكم وهذا الفرح لن ينزعَه أحدٌ منكم”. وبعد قيامته تراءى لهم حيًّا، ففرحوا لرؤيته، وهذا الفرح حملوه على مدى رسالتهم وبشّروا به بصبر وثبات. فضيلة الصبر لا بدّ من أن ترافقَنا في كلّ حياتنا ولا سيّما في أوقات الشدّة. فضيلة الصبر لا تعني فقط مجرّد احتمال المحن، بل تعني أيضًا أنّنا نحتملها بفرح. فضيلة الصبر تعني أنّه لا يمكن لأيّ شدّة أن تنزع منّا فرحَنا المرتكز على إيماننا بقيامة المسيح وقيامتنا معه.

المسيح قام وهو الآن حيّ، ويقيم في قلوب جميع المؤمنين الذين يحيون بموجب تعاليمه ووصاياه. هذا ما قاله يسوع لتلاميذه في العشاء السرّيّ :”من كانت عنده وصاياي وحفظها فهو يحبّني، والذي يحبّني يحبّه أبي، وأنا أحبّه وأظهر له ذاتي”. فقال له يهوذا، وهو غير يهوذا الإسخريوطيّ: “يا ربّ، كيف يكون أنّك تُظهِر لنا ذاتكَ لنا ولا تُظهرِها للعالم؟” أجاب يسوع وقال له: “إذا أحبني أحد يحفظ كلمتي، فيحبّه أبي وإليه نأتي وعنده نجعل مقامنا” (يو 23:14). هذا هو الخلاص: أن نقيم نحن في الله ويُقيمَ الله فينا.

المسيح حيّ وهو يقيم في الكنيسة في الأسرار التي تحتفل بها، ولا سيّما في سرّ الإفخارستيّا، الذي فيه نتّحد بالمسيح القائم من بين الأموات، ونمتلئ من حياة الله. في إيقونة القيامة يُصوَّر المسيح وقد نزل إلى الجحيم وأمسك بيد آدم وحواء وأقامهما معه إلى حياة المجد. هذا ما نرجوه لكلّ منكم، ولا سيّما للشبيبة التي قد تملأها مصاعب الحياة يأسًا فتوشك أن تغرق في الإحباط بالنسبة إلى مستقبلها. فنقول لكم جميعًا: إفتحوا قلوبكم للمسيح القائم من بين الأموات، فيملأها حياة ورجاء. لقد أعطاكم الله وزنات كثيرة، فاستثمروها مع المسيح وبروح المسيح. لقد منحكم حياة جديدة، فلا تلطّخوها بالخطيئة. لنسمع بولس الرسول يقول لنا: “لقد قمتمْ مع المسيح، فاطلبوا إذن ما هو فوق، حيث يُقيم المسيح جالسًا عن يمين الله. اهتمّوا لما هو فوق، لا لما هو على الأرض، لأنّكم قد متّم للعالم، وحياتُكم مستترة مع المسيح في الله. ومتى ظهر المسيح الذي هو حياتُنا، فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد” (كولسي 1:3-4). ولنسمع يوحنا الإنجيلي يقول لنا: “كتبت إليكم، أيّها الشبّان، لأنّكم أقوياء، ولأنّ كلمةَ الله ثابتةٌ فيكم، وقد غلبتم الشرّير. لا تحبّوا العالَم، ولا ما في العالَم. إن أحبّ أحدٌ العالَمَ فليست فيه محبةُ الآب. لأنّ كلَّ ما في العالَم – شهوةَ الجسد، وشهوةَ العين وصَلَفَ الغنى – ليس من الآب بل من العالَم. والعالَمُ يزول وشهوتُه أيضًا. أمّا من يعمل بمشيئة الله فإنّه يثبت إلى الأبد” (1يو 14:2-17).

نصلّي لأجلكم ليملأ نورُ القيامة قلوبَكم وتملأ نعمة الحياة الجديدة أعمالَكم، فتشهدوا لقيامة المسيح وتبشّروا العالم مع حاملات الطيب “بأنّ الربّ قد قام وأمات الموت، لأنّه ابنُ الله المخلّص جنسَ البشر”.

المسيح قام! حقًّا قام!